الركن الرابع
مرسل: الثلاثاء نوفمبر 13, 2007 11:14 pm
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه
القرآن الكريم
قال تعالى: (( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) )) سورة النازعات.
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ } أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل، فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها (2) عن طاعة الله، وصار هواه تبعا لما جاء به الرسول، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير، { فَإِنَّ الْجَنَّةَ } [المشتملة على كل خير وسرور ونعيم] { هِيَ الْمَأْوَى } لمن هذا وصفه.
المصدر: تيسير الكريم الرحمن للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.
الحديث الشريف
2239- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ).
قَالَ اِبْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحَكَمُ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى مَا يَعْنِيهِ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ، وَمَعْنَى يَعْنِيهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ وَيَكُونُ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمَطْلُوبِهِ ، وَالْعِنَايَةُ شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ ، يُقَالُ عَنَاهُ يَعْنِيهِ : إِذَا اِهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ ، وَإِذَا حَسُنَ الْإِسْلَامُ اِقْتَضَى تَرْكَ مَا لَا يَعْنِيهِ كُلَّهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَعْنِيهِ الْمُسْلِمُ إِذَا كَمُلَ إِسْلَامُهُ اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا . قَالَ الْقَارِي فِي مَعْنَى تَرْكِهِ مَا لَا يَعْنِيهِ : أَيْ مَا لَا يُهِمُّهُ وَلَا يَلِيقُ بِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا ، وَنَظَرًا وَفِكْرًا وَقَالَ : وَحَقِيقَةُ مَا لَا يَعْنِيهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ضَرُورَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ ، وَلَا يَنْفَعُهُ فِي مَرْضَاةِ مَوْلَاهُ بِأَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ بِدُونِهِ مُمْكِنًا .
وَهُوَ فِي اِسْتِقَامَةِ حَالِهِ بِغَيْرِهِ مُتَمَكِّنًا ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْأَفْعَالَ الزَّائِدَةَ وَالْأَقْوَالَ الْفَاضِلَةَ . قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَحَدُّ مَا يَعْنِيك أَنْ تَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا لَوْ سَكَتّ عَنْهُ لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ فِي حَالٍ وَلَا مَالٍ .
وَمِثَالُهُ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ فَتَحْكِيَ مَعَهُمْ أَسْفَارَك وَمَا رَأَيْت فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَأَنْهَارٍ ، وَمَا وَقَعَ لَك مِنْ الْوَقَائِعِ ، وَمَا اِسْتَحْسَنْته مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ ، وَمَا تَعَجَّبْت مِنْهُ مِنْ مَشَايِخِ الْبِلَادِ وَوَقَائِعِهِمْ ، فَهَذِهِ أُمُورٌ لَوْ سَكَتّ عَنْهَا لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ ، وَإِذَا بَالَغْت فِي الِاجْتِهَادِ حَتَّى لَمْ يَمْتَزِجْ بِحِكَايَتِك زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَلَا تَزْكِيَةُ نَفْسٍ مِنْ حَيْثُ التَّفَاخُرُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَحْوَالِ الْعَظِيمَةِ ، وَلَا اِغْتِيَابٍ لِشَخْصٍ ، وَلَا مَذَمَّةٍ لِشَيْءٍ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ مُضَيِّعٌ زَمَانَك ، وَمُحَاسَبٌ عَلَى عَمَلِ لِسَانِك ، إِذْ تَسْتَبْدِلُ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ؛ لِأَنَّك لَوْ صَرَفْت زَمَانَ الْكَلَامِ فِي الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ ، رُبَّمَا يَنْفَتِحُ لَك مِنْ نَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْظُمُ جَدْوَاهُ ، وَلَوْ سَبَّحْت اللَّهَ بَنَى لَك بِهَا قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ . وَهَذَا عَلَى فَرْضِ السَّلَامَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمَعْصِيَةِ ، وَأَنْ لَا تَسْلَمَ مِنْ الْآفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا اِنْتَهَى.
المصدر: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للشيخ المباركفوري رحمه الله.